Sabtu, 12 Maret 2016

Kitab Al-umm 1.4

Kitab Al-Umm Imam Syafi'i 1.4




بَابُ مَمَرِّ الْجُنُبِ وَالْمُشْرِكِ على الْأَرْضِ وَمَشْيِهِمَا عليها - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ } قال لَا تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ وما أَشْبَهَ ما قال بِمَا قال لِأَنَّهُ ليس في الصَّلَاةِ عُبُورُ سَبِيلٍ إنَّمَا عُبُورُ السَّبِيلِ في مَوْضِعِهَا وهو الْمَسْجِدُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَمُرَّ الْجُنُبُ في الْمَسْجِدِ مَارًّا وَلَا يُقِيمَ فيه لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ }
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن عُثْمَانَ بن أبي سُلَيْمَانَ أَنَّ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ حين أَتَوْا الْمَدِينَةَ في فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ كَانُوا يَبِيتُونَ في الْمَسْجِدِ منهم جُبَيْرُ بن مُطْعِمٍ قال جُبَيْرٌ فَكُنْت أَسْمَعُ قِرَاءَةَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيتَ الْمُشْرِكُ في كل مَسْجِدٍ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فإن اللَّهَ عز وجل يقول { إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هذا } فَلَا يَنْبَغِي لِمُشْرِكٍ أَنْ يَدْخُلَ الْحَرَمَ بِحَالٍ ( قال ) وإذا بَاتَ الْمُشْرِكُ في الْمَسَاجِدِ غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُ فإن بن عُمَرَ يَرْوِي أَنَّهُ كان يَبِيتُ في الْمَسْجِدِ زَمَانَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو أَعْزَبُ وَمَسَاكِينُ الصُّفَّةِ ( قال ) وَلَا تَنْجُسُ الْأَرْضُ بِمَمَرِّ حَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ وَلَا مُشْرِكٍ وَلَا مَيْتَةٍ لِأَنَّهُ ليس في الْأَحْيَاءِ من الْآدَمِيِّينَ نَجَاسَةٌ وَأَكْرَهُ لِلْحَائِضِ تَمُرُّ في الْمَسْجِدِ وَإِنْ مَرَّتْ بِهِ لم تُنَجِّسْهُ - * بَابُ ما يُوصَلُ بِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كُسِرَ لِلْمَرْأَةِ عَظْمٌ فَطَارَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُرَقِّعَهُ إلَّا بِعَظْمِ ما يُؤْكَلُ لَحْمُهُ ذَكِيًّا وَكَذَلِكَ إنْ سَقَطَتْ سنه صَارَتْ مَيِّتَةً فَلَا يَجُوزُ له أَنْ يُعِيدَهَا بَعْدَ ما بَانَتْ فَلَا يُعِيدُ سِنَّ شَيْءٍ غَيْرِ سِنٍّ ذَكِيٍّ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَإِنْ رَقَّعَ عَظْمَهُ بِعَظْمِ مَيْتَةٍ أو ذَكِيٍّ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أو عَظْمِ إنْسَانٍ فَهُوَ كَالْمَيْتَةِ فَعَلَيْهِ قَلْعُهُ وَإِعَادَةُ كل صَلَاةٍ صَلَّاهَا وهو عليه فَإِنْ لم يَقْلَعْهُ جَبَرَهُ السُّلْطَانُ على قَلْعِهِ فَإِنْ لم يَقْلَعْ حتى مَاتَ لم يُقْلَعْ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّهُ صَارَ مَيِّتًا كُلَّهُ وَاَللَّهُ حَسِيبُهُ وَكَذَلِكَ سنه إذَا نَدَرَتْ فَإِنْ اعْتَلَتْ سنه فَرَبَطَهَا قبل أَنْ تَنْدُرَ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ مَيْتَةً حتى تَسْقُطَ ( قال ) وَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْبِطَهَا بِالذَّهَبِ لِأَنَّهُ ليس لُبْسَ ذَهَبٍ وَإِنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ وهو يُرْوَى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الذَّهَبِ ما هو أَكْثَرُ من هذا يُرْوَى أَنَّ أَنْفَ رَجُلٍ قُطِعَ بِالْكُلَابِ فَاتَّخَذَ أَنْفًا من فِضَّةٍ فشكى ( ( ( فشكا ) ) ) إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نَتِنَهُ فَأَمَرَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا من ذَهَبٍ ( قال ) وَإِنْ أَدْخَلَ دَمًا تَحْتَ جِلْدِهِ فَنَبَتَ عليه فَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ ذلك الدَّمَ وَيُعِيدَ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بَعْدَ إدْخَالِهِ الدَّمَ تَحْتَ جِلْدِهِ قال وَلَا يصلى الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَاصِلَيْنِ شَعْرَ إنْسَانٍ بِشُعُورِهِمَا وَلَا شَعْرَهُ بِشَعْرِ شَيْءٍ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَلَا شَعْرِ شَيْءٍ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إلَّا أَنْ يُؤْخَذَ منه شَعْرُهُ وهو حَيٌّ فَيَكُونُ في مَعْنَى الذَّكِيِّ كما يَكُونُ اللَّبَنُ في مَعْنَى الذكى أو يُؤْخَذُ بعد ما يُذَكَّى ما يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَتَقَعُ الذَّكَاةُ على كل حَيٍّ منه وَمَيِّتٍ فَإِنْ سَقَطَ من شَعْرِهِمَا شَيْءٌ فَوَصَلَاهُ بِشَعْرِ إنْسَانٍ أو شُعُورِهِمَا لم يُصَلِّيَا فيه فَإِنْ فَعَلَا فَقَدْ قِيلَ يُعِيدَانِ وَشُعُورُ الْآدَمِيِّينَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَمْتَعَ من الْآدَمِيِّينَ كما يُسْتَمْتَعُ بِهِ من الْبَهَائِمِ بِحَالٍ لِأَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِشُعُورِ ما يَكُونُ لَحْمُهُ ذَكِيًّا أو حَيًّا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أَخْبَرْنَا بن عُيَيْنَةَ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عن أَسْمَاءَ بِنْتِ أبي بَكْرٍ قالت أَتَتْ امْرَأَةٌ إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقالت يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ بِنْتًا لي أَصَابَتْهَا الْحَصْبَةُ فَتَمَزَّقَ شَعْرُهَا أَفَأَصِلُ فيه فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لُعِنَتْ الْوَاصِلَةُ وَالْمَوْصُولَةُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا ذكى الثَّعْلَبُ وَالضَّبُعُ صلى في جُلُودِهِمَا وَعَلَى جُلُودِهِمَا شُعُورُهُمَا لِأَنَّ لُحُومَهُمَا تُؤْكَلُ وَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ من شُعُورِهِمَا وَهُمَا حَيَّانِ صلى فِيهِمَا وَكَذَلِكَ جَمِيعُ ما أُكِلَ لَحْمُهُ يُصَلَّى في جِلْدِهِ إذَا ذكى وفي شَعْرِهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حتى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حتى تَغْتَسِلُوا }
(1/54)
________________________________________
وَرِيشِهِ إذَا أُخِذَ منه وهو حَيٌّ فَأَمَّا ما لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فما أُخِذَ من شَعْرِهِ حَيًّا أو مَذْبُوحًا فصلى فيه أُعِيدَتْ الصَّلَاةُ من قِبَلِ أَنَّهُ غَيْرُ ذَكِيٍّ في الْحَيَاةِ وَأَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَقَعُ على الشَّعْرِ لِأَنَّ ذَكَاتَهُ وَغَيْرَ ذَكَاتِهِ سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ إنْ دُبِغَ لم يُصَلِّ له في شَعْرِ ذِي شَعْرٍ منه وَلَا رِيشِ ذِي رِيشٍ لِأَنَّ الدِّبَاغَ لَا يُطَهِّرُ شَعْرًا وَلَا رِيشًا وَيُطَهِّرُ الْإِهَابَ لِأَنَّ الْإِهَابَ غَيْرُ الشَّعْرِ وَالرِّيشِ وَكَذَلِكَ عَظْمُ ما لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لَا يُطَهِّرُهُ دِبَاغٌ وَلَا غُسْلٌ ذَكِيًّا كان أو غير ذَكِيٍّ - * بَابُ طَهَارَةِ الثِّيَابِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالصَّدِيدُ وَالْقَيْحُ وَمَاءُ الْقَرْحِ أَخَفُّ منه وَلَا يُغْسَلُ من شَيْءٍ منه إلَّا ما كان لُمْعَةً وقد قِيلَ إذَا لَزِمَ الْقَرْحُ صَاحِبَهُ لم يَغْسِلْهُ إلَّا مَرَّةً وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ - * بَابُ المنى - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَدَأَ اللَّهُ جل وعز خَلْقَ آدَمَ من مَاءٍ وَطِينٍ وَجَعَلَهُمَا مَعًا طَهَارَةً وَبَدَأَ خَلْقَ وَلَدِهِ من مَاءٍ دَافِقٍ فَكَانَ في ابْتِدَائِهِ خَلْقَ آدَمَ من الطَّهَارَتَيْنِ اللَّتَيْنِ هُمَا الطَّهَارَةُ دَلَالَةَ أَنْ لَا يَبْدَأَ خَلْقُ غَيْرِهِ إلَّا من طَاهِرٍ لَا من نَجِسٍ وَدَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على مِثْلِ ذلك
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا عَمْرُو بن أبي سَلَمَةَ عن الْأَوْزَاعِيِّ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن الْقَاسِمِ بن مُحَمَّدٍ عن عَائِشَةَ قالت كُنْت أَفْرُكُ الْمَنِيَّ من ثَوْبِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْمَنِيُّ ليس بِنَجَسٍ فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ يُفْرَكُ أو يُمْسَحُ قِيلَ كما يُفْرَكُ الْمُخَاطُ أو الْبُصَاقُ أو الطِّينُ وَالشَّيْءُ من الطَّعَامِ يَلْصَقُ بِالثَّوْبِ تَنْظِيفًا لَا تَنْجِيسًا فَإِنْ صلى فيه قبل أَنْ يُفْرَكَ أو يُمْسَحَ فَلَا بَأْسَ وَلَا يَنْجُسُ شَيْءٌ منه من مَاءٍ وَلَا غَيْرِهِ أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال + ( قال الشَّافِعِيُّ ) إمْلَاءُ كل ما خَرَجَ من ذَكَرٍ من رُطُوبَةِ بَوْلٍ أو مَذْيٍ أو وَدْيٍ أو ما لَا يُعْرَفُ أو يُعْرَفُ فَهُوَ نَجِسٌ كُلُّهُ ما خَلَا المنى وَالْمَنِيُّ الثَّخِينُ الذي يَكُونُ منه الْوَلَدُ الذي يَكُونُ له رَائِحَةٌ كَرَائِحَةِ الطَّلْعِ ليس لِشَيْءٍ يَخْرُجُ من ذَكَرٍ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ غَيْرُهُ وَكُلُّ ما مَسَّ ما سِوَى المنى مِمَّا خَرَجَ من ذَكَرٍ من ثَوْبٍ أو جَسَدٍ أو غَيْرِهِ فَهُوَ يُنَجِّسُهُ وَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ فَإِنْ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ أَصَابَهُ غَسَلَهُ وَلَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذلك فَإِنْ لم يَعْرِفْ مَوْضِعَهُ غَسَلَ الثَّوْبَ كُلَّهُ وَإِنْ عَرَفَ الْمَوْضِعَ ولم يَعْرِفْ قَدْرَ ذلك غَسَلَ الْمَوْضِعَ وَأَكْثَرَ منه وإن صلى في الثَّوْبِ قبل أَنْ يَغْسِلَهُ عَالِمًا أو جَاهِلًا فَسَوَاءٌ إلَّا في الْمَأْثَمِ فإنه يَأْثَمُ بِالْعِلْمِ وَلَا يَأْثَمُ في الْجَهْلِ وَعَلَيْهِ أَنْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } فَقِيلَ يصلى في ثِيَابٍ طاهره وَقِيلَ غَيْرُ ذلك وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ أَنْ يُغْسَلَ دَمُ الْحَيْضِ من الثَّوْبِ فَكُلُّ ثَوْبٍ جُهِلَ من يَنْسِجُهُ أَنَسَجَهُ مُسْلِمٌ أو مُشْرِكٌ أو وَثَنِيٌّ أو مَجُوسِيٌّ أو كِتَابِيٌّ أو لَبِسَهُ وَاحِدٌ من هَؤُلَاءِ أو صَبِيٌّ فَهُوَ على الطَّهَارَةِ حتى يُعْلَمَ أَنَّ فيه نَجَاسَةً وَكَذَلِكَ ثِيَابُ الصِّبْيَانِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ أبي الْعَاصِ وَهِيَ صَبِيَّةٌ عليها ثَوْبُ صَبِيٍّ والأختيار أَنْ لَا يُصَلَّى في ثَوْبِ مُشْرِكٍ وَلَا سَرَاوِيلَ وَلَا إزَارٍ وَلَا رِدَاءٍ حتى يُغْسَلَ من غَيْرِ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا وإذا صلى رَجُلٌ في ثَوْبِ مُشْرِكٍ أو مُسْلِمٍ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كان نَجِسًا أَعَادَ ما صلى فيه وَكُلُّ ما أَصَابَ الثَّوْبَ من غَائِطٍ رَطْبٍ أو بَوْلٍ أو دَمٍ أو خَمْرٍ أو مُحَرَّمٍ ما كان فَاسْتَيْقَنَهُ صَاحِبُهُ وَأَدْرَكَهُ طَرَفُهُ أو لم يُدْرِكْهُ فَعَلَيْهِ غُسْلُهُ وَإِنْ أَشْكَلَ عليه مَوْضِعُهُ لم يُجْزِهِ إلَّا غُسْلُ الثَّوْبِ كُلِّهِ ما خَلَا الدَّمَ وَالْقَيْحَ وَالصَّدِيدَ وَمَاءَ الْقَرْحِ فإذا كان الدَّمُ لُمْعَةً مُجْتَمِعَةً وَإِنْ كانت أَقَلَّ من مَوْضِعِ دِينَارٍ أو فَلْسٍ وَجَبَ عليه غُسْلُهُ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ بِغَسْلِ دَمِ الْحَيْضِ وَأَقَلُّ ما يَكُونُ دَمُ الْحَيْضِ في الْمَعْقُولِ لُمْعَةٌ وإذا كان يَسِيرًا كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ وما أَشْبَهَهُ لم يُغْسَلْ لِأَنَّ الْعَامَّةَ أَجَازَتْ هذا
(1/55)
________________________________________
يُعِيدَ صَلَاتِهِ وَمَتَى قُلْت يُعِيدُ فَهُوَ يُعِيدُ الدَّهْرَ كُلَّهُ لِأَنَّهُ لَا يَعْدُو إذَا صلى أَنْ تَكُونَ صَلَاتُهُ مُجْزِئَةً عنه فَلَا إعَادَةَ عليه فِيمَا أَجْزَأَ عنه في وَقْتٍ وَلَا غَيْرِهِ أو لَا تَكُونُ مجزئه عنه بِأَنْ تَكُونَ فَاسِدَةً وَحُكْمُ من صلى صَلَاةً فَاسِدَةً حُكْمُ من لم يُصَلِّ فَيُعِيدُ في الدَّهْرِ كُلِّهِ وَإِنَّمَا قُلْت في الْمَنِيِّ إنَّهُ لَا يَكُونُ نَجِسًا خَبَرًا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمَعْقُولًا فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْخَبَرُ قُلْت
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن مَنْصُورٍ عن إبْرَاهِيمَ عن هَمَّامِ بن الْحَارِثِ عن عَائِشَةَ قالت كُنْت أَفْرُكُ المنى من ثَوْبِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ يصلى فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا يحيى بن حَسَّانَ عن حَمَّادِ بن سَلَمَةَ عن حَمَّادِ بن أبي سُلَيْمَانَ عن إبْرَاهِيمَ عن عَلْقَمَةَ أو الْأَسْوَدِ شَكَّ الرَّبِيعُ عن عَائِشَةَ قالت كُنْت أَفْرُكُ الْمَنِيَّ من ثَوْبِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ يصلى فيه ( قال الرَّبِيعُ ) وَحَدَّثَنَا يحيى بن حَسَّانَ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ وبن جُرَيْجٍ كِلَاهُمَا يُخْبِرُ عن عَطَاءٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قال في المنى يُصِيبُ الثَّوْبَ أَمِطْهُ عَنْكَ قال أَحَدُهُمَا بِعُودٍ أو إذْخِرَةٍ وَإِنَّمَا هو بِمَنْزِلَةِ الْبُصَاقِ أو الْمُخَاطِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا الثِّقَةُ عن جَرِيرِ بن عبد الْحَمِيدِ عن مَنْصُورٍ عن مُجَاهِدٍ قال أخبرني مُصْعَبُ بن سَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ عن أبيه أَنَّهُ كان إذَا أَصَابَ ثَوْبَهُ المنى إنْ كان رَطْبًا مَسَحَهُ وَإِنْ كان يَابِسًا حَتَّهُ ثُمَّ صلى فيه (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ فما الْمَعْقُولُ في أَنَّهُ ليس بِنَجِسٍ فإن اللَّهَ عز وجل بَدَأَ خَلْقَ آدَمَ من مَاءٍ وَطِينٍ وَجَعَلَهُمَا جميعا طَهَارَةً الْمَاءُ وَالطِّينُ في حَالِ الْإِعْوَازِ من الْمَاءِ طَهَارَةٌ وَهَذَا أَكْثَرُ ما يَكُونُ في خَلْقٍ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا وَغَيْرَ نَجِسٍ وقد خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَنِي آدَمَ من الْمَاءِ الدَّافِقِ فَكَانَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَعَزَّ وَأَجَلَّ من أَنْ يتبديء ( ( ( يبتدئ ) ) ) خَلْقًا من نَجَسٍ مع ما وَصَفْت مِمَّا دَلَّتْ عليه سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْخَبَرُ عن عَائِشَةَ وبن عَبَّاسٍ وَسَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ مع ما وَصَفْت مِمَّا يُدْرِكُهُ الْعَقْلُ من أَنَّ رِيحَهُ وَخَلْقَهُ مُبَايِنٌ خَلْقَ ما يَخْرُجُ من ذَكَرٍ وَرِيحِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فإن بَعْضَ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال اغْسِلْ ما رَأَيْت وَانْضَحْ ما لم تَرَ فكلنا ( ( ( فكنا ) ) ) نَغْسِلُهُ بِغَيْرِ أَنْ نَرَاهُ نَجِسًا وَنَغْسِلُ الْوَسَخَ وَالْعَرَقَ وما لَا نَرَاهُ نَجِسًا وَلَوْ قال بَعْضُ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّهُ نَجِسٌ لم يَكُنْ في قَوْلِ أَحَدٍ حُجَّةٌ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمَعَ ما وَصَفْنَا مِمَّا سِوَى ما وَصَفْنَا من الْمَعْقُولِ وَقَوْلِ من سَمَّيْنَا من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ يُؤْمَرُ بِالْغُسْلِ منه قُلْنَا الْغُسْلُ ليس من نَجَاسَةِ ما يَخْرُجُ إنَّمَا الْغُسْلُ شَيْءٌ تَعَبَّدَ اللَّهُ بِهِ الْخَلْقَ جل وعز فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ذلك قِيلَ أَرَأَيْت الرَّجُلَ إذَا غَيَّبَ ذَكَرَهُ في الْفَرْجِ الْحَلَالِ ولم يَأْتِ منه مَاءٌ فَأَوْجَبْت عليه الْغُسْلَ وَلَيْسَتْ في الْفَرْجِ نَجَاسَةٌ وَإِنْ غَيَّبَ ذَكَرَهُ في دَمِ خِنْزِيرٍ أو خَمْرٍ أو عَذِرَةٍ وَذَلِكَ كُلُّهُ نَجِسٌ أَيَجِبُ عليه الْغُسْلُ فَإِنْ قال لَا قِيلَ فَالْغُسْلُ إنْ كان إنَّمَا يَجِبُ من نَجَاسَةٍ كان هذا أَوْلَى أَنْ يَجِبَ عليه الْغُسْلُ مَرَّاتٍ وَمَرَّاتٍ من الذي غَيَّبَهُ في حَلَالٍ نَظِيفٍ وَلَوْ كان يَكُونُ لِقَذَرِ ما يَخْرُجُ منه كان الْخَلَاءُ وَالْبَوْلُ أَقْذَرَ منه ثُمَّ ليس يَجِبُ عليه غُسْلُ مَوْضِعِهِمَا الذي خَرَجَا منه وَيَكْفِيهِ من ذلك الْمَسْحُ بِالْحِجَارَةِ وَلَا يُجْزِئُهُ في وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَرَأْسِهِ إلَّا الْمَاءُ وَلَا يَكُونُ عليه غَسْلُ فَخِذَيْهِ وَلَا أَلْيَتَيْهِ سِوَى ما سَمَّيْت وَلَوْ كان كَثْرَةُ الْمَاءِ إنَّمَا تَجِبُ لِقَذَرِ ما يَخْرُجُ كان هَذَانِ أَقْذَرَ وَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ على صَاحِبِهِمَا الْغُسْلُ مَرَّاتٍ وكان مَخْرَجُهُمَا أَوْلَى بِالْغُسْلِ من الْوَجْهِ الذي لم يَخْرُجَا منه وَلَكِنْ إنَّمَا أُمِرْنَا بِالْوُضُوءِ لِمَعْنَى تَعَبُّدٍ ابْتَلَى اللَّهُ بِهِ طَاعَةَ الْعِبَادِ لِيَنْظُرَ من يُطِيعُهُ منهم وَمَنْ يَعْصِيهِ لَا على قَذَرِ وَلَا نَظَافَةِ ما يَخْرُجُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فإن عَمْرَو بن مَيْمُونٍ رَوَى عن أبيه عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ عن عَائِشَةَ أنها كانت تَغْسِلُ الْمَنِيَّ من ثَوْبِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قُلْنَا هذا إنْ جَعَلْنَاهُ ثَابِتًا فَلَيْسَ بِخِلَافٍ لِقَوْلِهَا كُنْت أَفْرُكُهُ من ثَوْبِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ يصلى فيه كما لَا يَكُونُ غُسْلُهُ قَدَمَيْهِ عُمْرَهُ خِلَافًا لِمَسْحِهِ على خُفَّيْهِ يَوْمًا من أَيَّامِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا مَسَحَ عَلِمْنَ
(1/56)
________________________________________
أَنَّهُ تُجْزِئُ الصَّلَاةُ بِالْمَسْحِ وَتُجْزِئُ الصَّلَاةُ بِالْغُسْلِ وَكَذَلِكَ تُجْزِئُ الصَّلَاةُ بِحَتِّهِ وَتُجْزِئُ الصَّلَاةُ بِغُسْلِهِ لَا أَنَّ وَاحِدًا مِنْهُمَا خِلَافُ الْآخَرِ مع أَنَّ هذا ليس بِثَابِتٍ عن عَائِشَةَ هُمْ يَخَافُونَ فيه غَلَطَ عَمْرِو بن مَيْمُونٍ إنَّمَا هو رَأْيُ سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ كَذَا حَفِظَهُ عنه الْحُفَّاظُ أَنَّهُ قال غُسْلُهُ أَحَبُّ إلَيَّ وقد روى عن عَائِشَةَ خِلَافُ هذا الْقَوْلِ ولم يَسْمَعْ سُلَيْمَانُ عَلِمْنَاهُ من عَائِشَةَ حَرْفًا قَطُّ وَلَوْ رَوَاهُ عنها كان مُرْسَلًا (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضى اللَّهُ عنه وإذا اسْتَيْقَنَ الرَّجُلُ أَنْ قد أَصَابَتْ النَّجَاسَةُ ثَوْبًا له فَصَلَّى فيه وَلَا يَدْرِي مَتَى أَصَابَتْهُ النَّجَاسَةُ فإن الْوَاجِبَ عليه إنْ كان يَسْتَيْقِنُ شيئا أَنْ يصلى ما اسْتَيْقَنَ وَإِنْ كان لَا يَسْتَيْقِنُ تَأَخَّى حتى يصلى ما يَرَى أَنَّهُ قد صلى كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا وفي ثَوْبِهِ النَّجَسُ أو أَكْثَرَ منها وَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ شَيْءٍ إلَّا ما اسْتَيْقَنَ وَالْفُتْيَا وَالِاخْتِيَارُ له كما وَصَفْت وَالثَّوْبُ وَالْجَسَدُ سَوَاءٌ يُنَجِّسُهُمَا ما أَصَابَهُمَا وَالْخُفُّ وَالنَّعْلُ ثَوْبَانِ فإذا صلى فِيهِمَا وقد أَصَابَتْهُمَا نَجَاسَةٌ رَطْبَةٌ ولم يَغْسِلْهَا أَعَادَ فإذا أَصَابَتْهُمَا نَجَاسَةٌ يَابِسَةٌ لَا رُطُوبَةَ فيها فَحَكَّهُمَا حتى نَظُفَا وَزَالَتْ النَّجَاسَةُ عنهما صلى فِيهِمَا فَإِنْ كان الرَّجُلُ في سَفَرٍ لَا يَجِدُ الْمَاءَ إلَّا قَلِيلًا فَأَصَابَ ثَوْبَهُ نَجَسٌ غَسَلَ النَّجَسَ وَتَيَمَّمَ إنْ لم يَجِدْ ما يَغْسِلُ النَّجَاسَةَ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَأَعَادَ إذَا لم يَغْسِلْ النَّجَاسَةَ من قِبَلِ أَنَّ الْأَنْجَاسَ لَا يُزِيلُهَا إلَّا الْمَاءُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَلِمَ طَهَّرَهُ التُّرَابُ من الْجَنَابَةِ وَمِنْ الْحَدَثِ ولم يَطْهُرْ قَلِيلُ النَّجَاسَةِ التي مَاسَّتْ عُضْوًا من أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أو غَيْرِ أَعْضَائِهِ قُلْنَا إنَّ الْغُسْلَ وَالْوُضُوءَ من الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ ليس لِأَنَّ الْمُسْلِمَ نَجَسٌ وَلَكِنَّ الْمُسْلِمَ مُتَعَبِّدٌ بِهِمَا وَجُعِلَ التُّرَابُ بَدَلًا لِلطَّهَارَةِ التي هِيَ تَعَبُّدٌ ولم يُجْعَلْ بَدَلًا في النَّجَاسَةِ التي غُسْلُهَا لِمَعْنًى لَا تَعَبُّدًا إنَّمَا مَعْنَاهَا أَنْ تُزَالَ بِالْمَاءِ ليس أنها تَعَبُّدٌ بِلَا مَعْنًى وَلَوْ أَصَابَتْ ثَوْبَهُ نَجَاسَةٌ ولم يَجِدْ مَاءً لِغُسْلِهِ صلى عُرْيَانًا وَلَا يُعِيدُ ولم يَكُنْ له أَنْ يصلى في ثَوْبٍ نَجِسٍ بِحَالٍ وَلَهُ أَنْ يصلى في الْإِعْوَازِ من الثَّوْبِ الطَّاهِرِ عُرْيَانًا ( قال ) وإذا كان مع الرَّجُلِ الْمَاءُ وَأَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ لم يَتَوَضَّأْ بِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْوُضُوءَ بِهِ إنَّمَا يَزِيدُهُ نَجَاسَةً وإذا كان مع الرَّجُلِ مَاءَانِ أَحَدُهُمَا نَجِسٌ وَالْآخَرُ طَاهِرٌ وَلَا يَخْلُصُ النَّجِسُ من الطَّاهِرِ تَأَخَّى وَتَوَضَّأَ بِأَحَدِهِمَا وَكَفَّ عن الْوُضُوءِ من الْآخَرِ وَشُرْبِهِ إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ إلَى شُرْبِهِ فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى شُرْبِهِ شَرِبَهُ وَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى الْوُضُوءِ بِهِ لم يَتَوَضَّأْ بِهِ لِأَنَّهُ ليس عليه في الْوُضُوءِ وِزْرٌ وَيَتَيَمَّمُ وَعَلَيْهِ في خَوْفِ الْمَوْتِ ضَرُورَةٌ فَيَشْرَبُهُ إذَا لم يَجِدْ غَيْرَهُ وَلَوْ كان في سَفَرٍ أو حَضَرٍ فَتَوَضَّأَ من مَاءٍ نَجِسٍ أو كان على وُضُوءٍ فَمَسَّ مَاءً نَجِسًا لم يَكُنْ له أَنْ يصلى وَإِنْ صلى كان عليه أَنْ يُعِيدَ بَعْدَ أَنْ يَغْسِلَ ما مَاسَّ ذلك الْمَاءُ من جَسَدِهِ وَثِيَابِه
(1/57)
________________________________________
(1) * - * اعْتِزَالُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ حَائِضًا وَإِتْيَانُ الْمُسْتَحَاضَةِ - * + أَخْبَرْنَا الرَّبِيعُ قال قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَيَسْأَلُونَكَ عن الْمَحِيضِ قُلْ هو أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ في الْمَحِيضِ } الْآيَةَ
____________________
1- * كِتَابُ الْحَيْضِ
(1/58)
________________________________________
(1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فلما أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِاعْتِزَالِ الْحُيَّضِ وَأَبَاحَهُنَّ بَعْدَ الطُّهْرِ وَالتَّطْهِيرِ وَدَلَّتْ السُّنَّةُ على أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ تصلى دَلَّ ذلك على أَنَّ لِزَوْجِ الْمُسْتَحَاضَةِ إصَابَتَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِاعْتِزَالِهِنَّ وَهُنَّ غَيْرُ طَوَاهِرَ وَأَبَاحَ أَنْ يُؤْتَيْنَ طَوَاهِرَ - * بَابُ ما يَحْرُمُ أَنْ يُؤْتَى من الْحَائِضِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فإذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ من حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ } أَنْ تَعْتَزِلُوهُنَّ يعنى من مَوَاضِعِ المحيض ( ( ( الحيض ) ) ) + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَانَتْ الْآيَةُ مُحْتَمِلَةً لِمَا قال وَمُحْتَمِلَةً أَنَّ اعْتِزَالَهُنَّ اعْتِزَالُ جَمِيعِ أَبْدَانِهِنَّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَدَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على اعْتِزَالِ ما تَحْتَ الْإِزَارِ منها وَإِبَاحَةِ ما سِوَى ذلك منها - * بَابُ تَرْكِ الْحَائِضِ الصَّلَاةَ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { وَيَسْأَلُونَكَ عن الْمَحِيضِ قُلْ هو أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ في الْمَحِيضِ } الْآيَةَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكَانَ بَيِّنًا في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل حتى يَطْهُرْنَ بِأَنَّهُنَّ حُيَّضٌ في غَيْرِ حَالِ الطَّهَارَةِ وَقَضَى اللَّهُ على الْجُنُبِ أَنْ لَا يَقْرَبَ الصَّلَاةَ حتى يَغْتَسِلَ وكان بَيِّنًا أَنْ لَا مُدَّةَ لِطَهَارَةِ الْجُنُبِ إلَّا الْغُسْلُ وَأَنْ لَا مُدَّةَ لِطَهَارَةِ الْحَائِضِ إلَّا ذَهَابُ الْحَيْضِ ثُمَّ الِاغْتِسَالُ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { حتى يَطْهُرْنَ } وَذَلِكَ بِانْقِضَاءِ الْحَيْضِ فإذا تَطَهَّرْنَ يَعْنِي بِالْغُسْلِ فإن السُّنَّةَ تَدُلُّ على أَنَّ طَهَارَةَ الْحَائِضِ بِالْغُسْلِ وَدَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على بَيَانِ ما دَلَّ عليه كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى من أَنْ لَا تصلى الْحَائِضُ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن عبد الرحمن بن الْقَاسِمِ عن أبيه عن عَائِشَةَ قالت قَدِمْت مَكَّةَ وأنا حَائِضٌ ولم أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَشَكَوْت ذلك إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال افعلى كما يَفْعَلُ الْحَاجُّ غير أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حتى تَطْهُرِي
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عبد الرحمن بن الْقَاسِمِ عن أبيه عن عَائِشَةَ قالت خَرَجْنَا مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في حجة لَا نَرَاهُ إلَّا الْحَجَّ حتى إذَا كنا بِسَرِفٍ أو قَرِيبًا منها حِضْت فَدَخَلَ عَلَيَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وأنا أبكى فقال ما بَالُكَ أَنُفِسْتِ قُلْت نعم قال إنَّ هذا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى على بَنَاتِ آدَمَ فاقضى ما يقضى الْحَاجَّ غير أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حتى تَطْهُرِي + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَائِشَةَ أَنْ لَا تَطُوفَ بِالْبَيْتِ حتى تَطْهُرَ فَدَلَّ على أَنْ لَا تصلى حَائِضًا لِأَنَّهَا غَيْرُ طَاهِرٍ ما كان الْحَيْضُ قَائِمًا وَكَذَلِكَ قال اللَّهُ عز وجل { حتى يَطْهُرْنَ } - * بَابُ أَنْ لَا تقضى الصَّلَاةَ حَائِضٌ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { حَافِظُوا على الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فلما لم يُرَخِّصْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في أَنْ تُؤَخَّرَ الصَّلَاةُ في الْخَوْفِ وَأَرْخَصَ أَنْ يُصَلِّيَهَا المصلى كما أَمْكَنَهُ رَاجِلًا أو رَاكِبًا وقال { إنَّ الصَّلَاةَ كانت على الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وكان من عَقَلَ الصَّلَاةَ من الْبَالِغِينَ عَاصِيًا بِتَرْكِهَا إذَا جاء وَقْتُهَا وَذَكَرَهَا وكان غير نَاسٍ لها وَكَانَتْ الْحَائِضُ بَالِغَةً عَاقِلَةً ذَاكِرَةً لِلصَّلَاةِ مُطِيقَةً لها فَكَانَ حُكْمُ اللَّهِ عز وجل لَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا حَائِضًا وَدَلَّ حُكْمُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَبَانَ عز وجل أنها حَائِضٌ غَيْرُ طَاهِرٍ وَأَمَرَ أَنْ لَا تُقْرَبَ حَائِضٌ حتى تَطْهُرَ وَلَا إذَا طَهُرَتْ حتى تَتَطَهَّرَ بِالْمَاءِ وَتَكُونَ مِمَّنْ تَحِلُّ لها الصَّلَاةُ وَلَا يَحِلُّ لامريء ( ( ( لامرئ ) ) ) كانت امْرَأَتُهُ حَائِضًا أَنْ يُجَامِعَهَا حتى تَطْهُرَ فإن اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ التَّيَمُّمَ طَهَارَةً إذَا لم يُوجَدْ الْمَاءُ أو كان الْمُتَيَمِّمُ مَرِيضًا وَيَحِلُّ لها الصَّلَاةُ بِغُسْلٍ إنْ وَجَدَتْ مَاءً أو تَيَمُّمٍ إنْ لم تَجِدْهُ
(1/59)
________________________________________
إنه إذَا حَرُمَ على زَوْجِهَا أَنْ يَقْرَبَهَا لِلْحَيْضِ حَرُمَ عليها أَنْ تصلى كان في هذا دَلَائِلُ على أَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ في أَيَّامِ الْحَيْضِ زَائِلٌ عنها فإذا زَالَ عنها وَهِيَ ذَاكِرَةٌ عاقله مُطِيقَةٌ لم يَكُنْ عليها قَضَاءُ الصَّلَاةِ وَكَيْفَ تَقْضِي ما ليس بِفَرْضٍ عليها بِزَوَالِ فَرْضِهِ عنها ( قال ) وَهَذَا مِمَّا لَا أَعْلَمُ فيه مُخَالِفًا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) هذا يَدُلُّ على أنها تَعْرِفُ أَيَّامَ حَيْضِهَا سِتًّا أو سَبْعًا فَلِذَلِكَ قال لها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنْ قَوِيت على أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ فَتَغْتَسِلِي حتى تَطْهُرِي ثُمَّ تصلى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جميعا ثُمَّ تُؤَخِّرِي الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِي الْعِشَاءَ ثُمَّ تَغْتَسِلِي وَتَجْمَعِي بين الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَافْعَلِي وَتَغْتَسِلِينَ عِنْدَ الْفَجْرِ ثُمَّ تُصَلِّينَ الصُّبْحَ وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي وَصُومِي إنْ قَوِيَتْ على ذلك وقال هذا أَحَبُّ الْأَمْرَيْنِ إلى
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ عن أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ امْرَأَةً كانت تُهْرَاقُ الدِّمَاءَ على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَاسْتَفْتَتْ لها أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِتَنْظُرَ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ التي كانت تَحِيضُهُنَّ من الشَّهْرِ قبل أَنْ يُصِيبَهَا الذي أَصَابَهَا فَلْتَتْرُكْ الصَّلَاةَ قَدْرَ ذلك من الشَّهْرِ فإذا فَعَلَتْ ذلك فَلْتَغْتَسِلْ وَلْتَسْتَثْفِرْ ثُمَّ تصلى + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَبِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ نَأْخُذُ وَهِيَ عِنْدَنَا مُتَّفِقَةٌ فِيمَا اجْتَمَعَتْ فيه وفي بَعْضِهَا زِيَادَةٌ على بَعْضٍ وَمَعْنًى غَيْرُ مَعْنَى صَاحِبِهِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَدُلُّ على أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أبي حُبَيْشٍ كان دَمُ اسْتِحَاضَتِهَا مُنْفَصِلًا من دَمِ حَيْضِهَا لِجَوَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَذَلِكَ أَنَّهُ قال فإذا أَقْبَلَتْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْمَعْتُوهُ وَالْمَجْنُونُ لَا يُفِيقُ وَالْمُغْمَى عليه في أَكْثَرَ من حَالِ الْحَائِضِ من أَنَّهُمْ لَا يَعْقِلُونَ وفي أَنَّ الْفَرَائِضَ عَنْهُمْ زَائِلَةٌ ما كَانُوا بِهَذِهِ الْحَالِ كما الْفَرْضُ عنها زَائِلٌ ما كانت حَائِضًا وَلَا يَكُونُ على وَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ قَضَاءُ الصَّلَاةِ وَمَتَى أَفَاقَ وَاحِدٌ من هَؤُلَاءِ أو طَهُرَتْ حَائِضٌ في وَقْتِ الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِمَا أَنْ يُصَلِّيَا لِأَنَّهُمَا مِمَّنْ عليه فَرْضُ الصَّلَاةِ - * بَابُ الْمُسْتَحَاضَةِ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن عَائِشَةَ قالت قالت فَاطِمَةُ بِنْتُ أبي حُبَيْشٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنِّي لَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا ذلك عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ فإذا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ فإذا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي الدَّمَ عَنْكِ وَصَلِّي
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ قال أخبرنا عبد اللَّهِ بن مُحَمَّدِ بن عَقِيلٍ عن إبْرَاهِيمَ بن مُحَمَّدِ بن طَلْحَةَ عن عَمِّهِ عِمْرَانَ بن طَلْحَةَ عن أُمِّهِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ قالت كُنْت أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً فَجِئْت إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَسْتَفْتِيهِ فَوَجَدْتُهُ في بَيْتِ أختى زَيْنَبَ فَقُلْت يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لي إلَيْك حَاجَةً وأنه لَحَدِيثٌ ما منه بُدٌّ وأني لَأَسْتَحْيِي منه قال فما هو يا هَنْتَاهُ قالت أني امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً فما تَرَى فيها فَقَدْ مَنَعْتنِي الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنِّي أَنْعَتُ لَكِ الْكُرْسُفَ فإنه يُذْهِبُ الدَّمَ قالت هو أَكْثَرُ من ذلك قال فَتَلَجَّمِي قالت هو أَكْثَرُ من ذلك قال فَاِتَّخِذِي ثَوْبًا قالت هو أَكْثَرُ من ذلك إنَّمَا أَثُجُّ ثَجًّا قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سَآمُرُك بِأَمْرَيْنِ أَيُّهُمَا فَعَلْت أَجْزَأَكِ عن الْآخَرِ فَإِنْ قَوِيَتْ عَلَيْهِمَا فَأَنْتِ أَعْلَمُ قال لها إنَّمَا هِيَ رَكْضَةٌ من رَكَضَاتِ الشَّيْطَانِ فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أو سَبْعَةَ أَيَّامٍ في عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ اغْتَسِلِي حتى إذَا رَأَيْت أَنَّك قد طَهُرْت واستنقيت فَصَلِّي أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا أو ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ وَأَيَّامَهَا وَصُومِي فإنه يُجْزِئُكِ وَهَكَذَا افعلى في كل شَهْرٍ كما تَحِيضُ النِّسَاءُ وَيَطْهُرْنَ لِمِيقَاتِ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ وَمِنْ غَيْرِ هذا الْكِتَابِ وَإِنْ قَوِيَتْ على أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ وَتَغْتَسِلِي حتى تَطْهُرِي ثُمَّ تُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ ثُمَّ تُؤَخِّرِينَ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِينَ الْعِشَاءَ ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بين الصَّلَاتَيْنِ وَتَغْتَسِلِينَ مع الْفَجْرِ
(1/60)
________________________________________
الْحَيْضَةُ فدعى الصَّلَاةَ فإذا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي الدَّمَ عَنْكِ وَصَلِّي (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) ولم يذكر في حديث عَائِشَةَ الْغُسْلَ عِنْدَ تولى الْحَيْضَةِ وَذَكَرَ غُسْلَ الدَّمِ فَأَخَذْنَا بِإِثْبَاتِ الْغُسْلِ من قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَيَسْأَلُونَكَ عن الْمَحِيضِ قُلْ هو أَذًى } الْآيَةَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقِيلَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ يَطْهُرْنَ من الْحَيْضِ فإذا تَطَهَّرْنَ بِالْمَاءِ ثُمَّ من سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما أَبَانَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ الْغُسْلُ وفي حديث حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ فَأَمَرَهَا في الْحَيْضِ أَنْ تَغْتَسِلَ إذَا رَأَتْ أنها طَهُرَتْ ثُمَّ أَمَرَهَا في حديث حَمْنَةَ بِالصَّلَاةِ فَدَلَّ ذلك على أَنَّ لِزَوْجِهَا أَنْ يُصِيبَهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَمَرَ بِاعْتِزَالِهَا حَائِضًا وَأَذِنَ في إتْيَانِهَا طَاهِرًا فلما حَكَمَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلْمُسْتَحَاضَةِ حُكْمَ الطَّهَارَةِ في أَنْ تَغْتَسِلَ وتصلى دَلَّ ذلك على أَنَّ لِزَوْجِهَا أَنْ يَأْتِيَهَا ( قال ) وَلَيْسَ عليها إلَّا الْغُسْلُ الذي حُكْمُهُ الطُّهْرُ من الْحَيْضِ بِالسُّنَّةِ وَعَلَيْهَا الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ قِيَاسًا على السُّنَّةِ في الْوُضُوءِ بِمَا خَرَجَ من دُبُرٍ أو فَرْجٍ مِمَّا له أَثَرٌ أو لَا أَثَرَ له + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَجَوَابُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأُمِّ سَلَمَةَ في الْمُسْتَحَاضَةِ يَدُلُّ على أَنَّ الْمَرْأَةَ التي سَأَلَتْ لها أُمُّ سَلَمَةَ كانت لَا يَنْفَصِلُ دَمُهَا فَأَمَرَهَا أَنْ تَتْرُكَ الصَّلَاةَ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ التي كانت تَحِيضُهُنَّ من الشَّهْرِ قبل أَنْ يُصِيبَهَا الذي أَصَابَهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وفي هذا دَلِيلٌ على أَنْ لَا وَقْتَ لِلْحَيْضَةِ إذَا كانت الْمَرْأَةُ تَرَى حَيْضًا مُسْتَقِيمًا وَطُهْرًا مُسْتَقِيمًا وَإِنْ كانت الْمَرْأَةُ حَائِضًا يَوْمًا أو أَكْثَرَ فَهُوَ حَيْضٌ وَكَذَلِكَ إنْ جَاوَزَتْ عَشَرَةً فَهُوَ حَيْضٌ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَهَا أَنْ تَتْرُكَ الصَّلَاةَ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ التي كانت تَحِيضُهُنَّ ولم يَقُلْ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَذَا وَكَذَا أَيْ تُجَاوِزَ كَذَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ابْتَدَأَتْ الْمَرْأَةُ ولم تَحِضْ حتى حَاضَتْ فَطَبَقَ الدَّمُ عليها فَإِنْ كان دَمُهَا يَنْفَصِلُ فَأَيَّامُ حَيْضِهَا أَيَّامُ الدَّمِ الثَّخِينِ الْأَحْمَرِ الْقَانِئِ الْمُحْتَدِمِ وَأَيَّامُ اسْتِحَاضَتِهَا أَيَّامُ الدَّمِ الرَّقِيقِ فَإِنْ كان لَا يَنْفَصِلُ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ سِتًّا أو سَبْعًا ثُمَّ تَغْتَسِلَ وتصلى كما يَكُونُ الْأَغْلَبُ من حَيْضِ النِّسَاءِ ( قال ) وَمَنْ ذَهَبَ إلَى جُمْلَةِ حديث حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ وقال لم يذكر في الحديث عَدَدَ حَيْضِهَا فَأُمِرَتْ أَنْ يَكُونَ حَيْضُهَا سِتًّا أو سَبْعًا وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ أَقَلَّ ما عُلِمَ من حَيْضِهِنَّ وَذَلِكَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ ثُمَّ تَغْتَسِلَ وتصلى وَلِزَوْجِهَا أَنْ يَأْتِيَهَا وَلَوْ احْتَاطَ فَتَرَكَهَا وَسَطًا من حَيْضِ النِّسَاءِ أو أَكْثَرَ كان أَحَبَّ إلَيَّ وَمَنْ قال بهذا قال إنَّ حَمْنَةَ وَإِنْ لم يَكُنْ في حَدِيثِهَا ما نَصَّ أَنَّ حَيْضَهَا كان سِتًّا أو سَبْعًا فَقَدْ يَحْتَمِلُ حَدِيثُهَا ما احْتَمَلَ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ من أَنْ يَكُونَ فيه دَلَالَةٌ أَنَّ حَيْضَهَا كان سِتًّا أو سَبْعًا لِأَنَّ فيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال فَتَحَيَّضِي سِتًّا أو سَبْعًا ثُمَّ اغْتَسِلِي فإذا رَأَيْت أَنَّكِ قد طَهُرْت فَصَلِّي فَيَحْتَمِلُ إذَا رَأَتْ أنها قد طَهُرَتْ بِالْمَاءِ واستنقت من الدَّمِ الْأَحْمَرِ الْقَانِئِ ( قال ) وَإِنْ كان يَحْتَمِلُ طَهُرْت واستنقت بِالْمَاءِ ( قال ) فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ حَمْنَةَ كانت عِنْدَ طَلْحَةَ وَوَلَدَتْ له وَأَنَّهَا حَكَتْ حين استنقت ذَكَرَتْ أنها تَثُجُّ الدَّمَ ثَجًّا وكان الْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ طَلْحَةَ لَا يَقْرَبُهَا في هذه الْحَالِ وَلَا تَطِيبُ هِيَ نَفْسُهَا بِالدُّنُوِّ منه وكان مَسْأَلَتُهَا بعد ما كانت زَيْنَبُ عِنْدَهُ دَلِيلًا مُحْتَمَلًا على أَنَّهُ أَوَّلُ ما اُبْتُلِيَتْ بالاستحاضه وَذَلِكَ بَعْدَ بُلُوغِهَا بِزَمَانٍ فَدَلَّ على أَنَّ حَيْضَهَا كان يَكُونُ سِتًّا أو سَبْعًا فَسَأَلَتْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَشَكَتْ أَنَّهُ كان سِتًّا أو سَبْعًا فَأَمَرَهَا إنْ كان سِتًّا أَنْ تَتْرُكَهُ سِتًّا وَإِنْ كان سَبْعًا أَنْ تَتْرُكَهُ سَبْعًا وَذَكَرَتْ الحديث فَشَكَتْ وَسَأَلَتْهُ عن سِتٍّ فقال لها سِتٌّ أو عن سَبْعٍ فقال لها سَبْعٌ وقال كما تَحِيضُ النِّسَاءُ إنَّ النِّسَاءَ يَحِضْنَ كما تَحِيضِينَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) قَوْلُ رسول الله صلى اللَّهُ عليه وسلم تَحَيَّضِي سِتًّا أو سَبْعًا في عِلْمِ اللَّهِ يَحْتَمِلُ أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ سِتٌّ أو سَبْعٌ تَحِيضِينَ ( قال ) وَهَذَا أَشْبَهُ مَعَانِيهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( قال ) وفي حديث حَمْنَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لها إنْ قَوِيت فَاجْمَعِي بين
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَنَقُولُ إذَا كان الدَّمُ يَنْفَصِلُ فَيَكُونُ في أَيَّامٍ أَحْمَرَ قَانِئًا ثَخِينًا مُحْتَدِمًا وَأَيَّامًا رَقِيقًا إلَى الصُّفْرَةِ أو رَقِيقًا إلَى الْقِلَّةِ فَأَيَّامُ الدَّمِ الْأَحْمَرِ الْقَانِئِ الْمُحْتَدِمِ الثَّخِينِ أَيَّامُ الْحَيْضِ وَأَيَّامُ الدَّمِ الرَّقِيقِ أَيَّامُ الِاسْتِحَاضَةِ
(1/61)
________________________________________
الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِغُسْلٍ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِغُسْلٍ وصلى الصُّبْحَ بِغُسْلٍ وَأَعْلَمَهَا أَنَّهُ أَحَبُّ الْأَمْرَيْنِ إلَيْهِ لها وَأَنَّهُ يَجْزِيهَا الْأَمْرُ الْأَوَّلُ من أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ الطُّهْرِ من الْمَحِيضِ ثُمَّ لم يَأْمُرْهَا بِغُسْلٍ بَعْدَهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ رَوَى هذا أَحَدٌ أَنَّهُ أَمَرَ الْمُسْتَحَاضَةَ بِالْغُسْلِ سِوَى الْغُسْلِ الذي تَخْرُجُ بِهِ من حُكْمِ الْحَيْضِ فَحَدِيثُ حَمْنَةَ يُبَيِّنُ أَنَّهُ اخْتِيَارٌ وَأَنَّ غَيْرَهُ يجزئ منه (1) أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن سَعْدٍ أَنَّهُ سمع بن شِهَابٍ يحدث عن عَمْرَةَ عن عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ اُسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَاسْتَفْتَتْهُ فيه قالت عَائِشَةُ فقال لها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَيْسَتْ تِلْكَ الْحَيْضَةُ وَإِنَّمَا ذلك عِرْقٌ فَاغْتَسِلِي وصلى قالت عَائِشَةُ فَكَانَتْ تَجْلِسُ في مِرْكَنٍ فَيَعْلُو الْمَاءَ حُمْرَةُ الدَّمِ ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُصَلِّي
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ قال أخبرني الزُّهْرِيُّ عن عَمْرَةَ عن عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اُسْتُحِيضَتْ فَكَانَتْ لَا تصلى سَبْعَ سِنِينَ فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال إنَّمَا هو عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ فَأَمَرَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَتَجْلِسُ في الْمِرْكَنِ فَيَعْلُوهُ الدَّمُ فَإِنْ قال فَهَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ فَهَلْ يُخَالِفُ الْأَحَادِيثَ التي ذَهَبْت إلَيْهَا قُلْت لَا إنَّمَا أَمَرَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ وَلَيْسَ فيه أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَإِنْ قال ذَهَبْنَا إلَى أنها لَا تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ إلَّا وقد أَمَرَهَا بِذَلِكَ وَلَا تَفْعَلُ إلَّا ما أَمَرَهَا قِيلَ له أَفَتَرَى أَمْرَهَا أَنْ تَسْتَنْقِعَ في مِرْكَنٍ حتى يَعْلُوَ الْمَاءَ حُمْرَةُ الدَّمِ ثُمَّ تَخْرُجَ منه فَتُصَلِّي أو تَرَاهَا تَطْهُرُ بهذا الْغُسْلِ قال ما تَطْهُرُ بهذا الْغُسْلِ الذي يَغْشَى جَسَدَهَا فيه حُمْرَةُ الدَّمِ وَلَا تَطْهُرُ حتى تَغْسِلَهُ وَلَكِنْ لَعَلَّهَا تَغْسِلُهُ قُلْت أَفَأُبَيِّنُ لك أَنَّ اسْتِنْقَاعَهَا غَيْرُ ما أُمِرَتْ بِهِ قال نعم قُلْت فَلَا تُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ غُسْلُهَا وَلَا أَشُكُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ غُسْلَهَا كان تَطَوُّعًا غير ما أُمِرَتْ بِهِ وَذَلِكَ وَاسِعٌ لها أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَسَعُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَلَوْ لم تُؤْمَرْ بِالْغُسْلِ قال بَلَى + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد رَوَى غَيْرُ الزُّهْرِيِّ هذا الحديث أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَلَكِنْ رَوَاهُ عن عَمْرَةَ بهذا الْإِسْنَادِ وَالسِّيَاقِ وَالزُّهْرِيُّ أَحْفَظُ منه وقد رَوَى فيه شيئا يَدُلُّ على أَنَّ الحديث غَلَطٌ قال تَتْرُكُ الصَّلَاةَ قَدْرَ أَقْرَائِهَا وَعَائِشَةُ تَقُولُ الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ قال أَفَرَأَيْت لو كانت تَثْبُتُ الرِّوَايَتَانِ فَإِلَى أَيِّهِمَا تَذْهَبُ قُلْت إلَى حديث حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا أُمِرْنَ فيه بِالْغُسْلِ عِنْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ وَلَوْ لم يُؤْمَرْنَ بِهِ عِنْدَ كل صَلَاةٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال فَهَلْ من دَلِيلٍ غَيْرِ الْخَبَرِ قِيلَ نعم قال اللَّهُ عز وجل { وَيَسْأَلُونَكَ عن الْمَحِيضِ قُلْ هو أَذًى } إلَى قَوْلِهِ { فإذا تَطَهَّرْنَ } فَدَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الطُّهْرَ هو الْغُسْلُ وَأَنَّ الْحَائِضَ لَا تصلى وَالطَّاهِرَ تصلى وَجُعِلَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ في مَعْنَى الطَّاهِرِ في الصَّلَاةِ فلم يَجُزْ أَنْ تَكُونَ في مَعْنَى طَاهِرٍ وَعَلَيْهَا غُسْلٌ بِلَا حَادِثِ حَيْضَةٍ وَلَا جَنَابَةٍ ( قال ) أَمَا إنَّا فَقَدْ رَوَيْنَا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ الْمُسْتَحَاضَةَ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ قُلْت نعم قد رَوَيْتُمْ ذلك وَبِهِ نَقُولُ قِيَاسًا على سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَوْ كان مَحْفُوظًا عِنْدَنَا كان أَحَبَّ إلَيْنَا من الْقِيَاسِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ روى في الْمُسْتَحَاضَةِ حَدِيثٌ مُسْتَغْلِقٌ فَفِي إيضَاحِ هذه الْأَحَادِيثِ دَلِيلٌ على مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ يُرْوَى في الْمُسْتَحَاضَةِ شَيْءٌ غَيْرُ ما ذَكَرْت قِيلَ له نعم
(1/62)
________________________________________
- * بَابُ الْخِلَافِ في الْمُسْتَحَاضَةِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقِيلَ له حُكْمُ اللَّهِ عز وجل في أَذَى الْمَحِيضِ أَنْ تَعْتَزِلَ الْمَرْأَةَ وَدَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ عز وجل أَنَّ الْحَائِضَ لَا تصلى فَدَلَّ حُكْمُ اللَّهِ وَحُكْمُ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الْوَقْتَ الذي أُمِرَ الزَّوْجُ بِاجْتِنَابِ الْمَرْأَةِ فيه لِلْمَحِيضِ الْوَقْتُ الذي أُمِرَتْ الْمَرْأَةُ فيه إذَا انْقَضَى الْمَحِيضُ بِالصَّلَاةِ قال نعم فَقِيلَ له فَالْحَائِضُ لَا تَطْهُرُ وَإِنْ اغْتَسَلَتْ وَلَا يَحِلُّ لها أَنْ تصلى وَلَا تَمَسَّ مُصْحَفًا قال نعم فَقِيلَ له فَحُكْمُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَدُلُّ على أَنَّ حُكْمَ أَيَّامِ الِاسْتِحَاضَةِ حُكْمُ الطُّهْرِ وقد أَبَاحَ اللَّهُ لِلزَّوْجِ الْإِصَابَةَ إذَا تَطَهَّرَتْ الْحَائِضُ وَلَا أَعْلَمُكِ إلَّا خَالَفْت كِتَابَ اللَّهِ في أَنْ حَرَّمْت ما أَحَلَّ اللَّهُ من الْمَرْأَةِ إذَا تَطَهَّرَتْ وَخَالَفْت سُنَّةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَنَّهُ حَكَمَ بِأَنَّ غُسْلَهَا من أَيَّامِ الْمَحِيضِ تَحِلُّ بِهِ الصَّلَاةُ في أَيَّامِ الِاسْتِحَاضَةِ وَفَرَّقَ بين الدَّمَيْنِ بِحُكْمِهِ وَقَوْلِهِ في الِاسْتِحَاضَةِ إنَّمَا ذلك عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ قال هو أَذًى قُلْت فَبَيِّنٌ إذَا فَرَّقَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بين حُكْمَهُ فَجَعَلَهَا حَائِضًا في أَحَدِ الْأَذَيَيْنِ يَحْرُمُ عليها الصَّلَاةُ وَطَاهِرًا في أَحَدِ الْأَذَيَيْنِ يَحْرُمُ عليها تَرْكُ الصَّلَاةِ وَكَيْفَ جَمَعَتْ ما فَرَّقَ بَيْنَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّه عليه وسلم + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقِيلَ له أَتَحْرُمُ لو كانت خِلْقَتُهَا أَنَّ هُنَالِكَ رُطُوبَةً وَتَغَيُّرَ رِيحٍ مُؤْذِيَةٍ غَيْرِ دَمٍ قال لَا وَلَيْسَ هذا أَذَى الْمَحِيضِ قُلْت وَلَا أَذَى الِاسْتِحَاضَةِ أَذَى الْمَحِيضِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فقال لي قَائِلٌ تصلى الْمُسْتَحَاضَةُ وَلَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَزَعَمَ لي بَعْضُ من يَذْهَبُ مَذْهَبَهُ أَنَّ حُجَّتَهُ فيه أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قال { وَيَسْأَلُونَكَ عن الْمَحِيضِ قُلْ هو أَذًى } الْآيَةَ وَأَنَّهُ قال في الْأَذَى أنه أَمَرَ بِاجْتِنَابِهَا فيه فَأَثِمَ فيها فَلَا يَحِلُّ له إصَابَتُهَا
(1/63)
________________________________________
- * الرَّدُّ على من قال لَا يَكُونُ الْحَيْضُ أَقَلَّ من ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقِيلَ لِبَعْضِ من يقول هذا الْقَوْلَ أَرَأَيْت إذَا قُلْت لَا يَكُونُ شَيْءٌ وقد أَحَاطَ الْعِلْمُ أَنَّهُ يَكُونُ أَتَجِدُ قَوْلَك لَا يَكُونُ إلَّا خَطَأً عَمَدْته فَيَجِبُ أَنْ تَأْثَمَ بِهِ أو تَكُونَ غَبَاوَتُكَ شَدِيدَةً وَلَا يَكُونُ لك أَنْ تَقُولَ في الْعِلْمِ ( قال ) لَا يَجُوزُ إلَّا ما قُلْت إنْ لم تَكُنْ فيه حُجَّةٌ أو تَكُونُ ( قُلْت ) قد رَأَيْت امْرَأَةً أُثْبِتَ لي عنها أنها لم تَزَلْ تَحِيضُ يَوْمًا وَلَا تَزِيدُ عليه وَأُثْبِتَ لي عن نِسَاءٍ أَنَّهُنَّ لم ( ( ( ولم ) ) ) يَزَلْنَ يَحِضْنَ أَقَلَّ من ثَلَاثٍ وَعَنْ نِسَاءٍ أَنَّهُنَّ لم يَزَلْنَ يَحِضْنَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَعَنْ امْرَأَةٍ أو أَكْثَرَ أنها لم تَزَلْ تَحِيضُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّهُ لَا يَكُونُ ما قد عَلِمْنَا أَنَّهُ يَكُونُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال إنَّمَا قُلْتُهُ لِشَيْءٍ قد رَوَيْته عن أَنَسِ بن مَالِكٍ فَقُلْت له أَلَيْسَ حَدِيثُ الْجَلْدِ بن أَيُّوبَ فقال بَلَى فَقُلْت فَقَدْ أخبرني بن عُلَيَّةَ عن الْجَلْدِ بن أَيُّوبَ عن مُعَاوِيَةَ بن قُرَّةَ عن أَنَسِ بن مَالِكٍ أَنَّهُ قال قُرْءُ الْمَرْأَةِ أو قُرْءُ حَيْضِ الْمَرْأَةِ ثَلَاثٌ أو أَرْبَعٌ حتى انْتَهَى إلَى عَشْرٍ فقال لي بن عُلَيَّةَ الْجَلْدُ بن أَيُّوبَ أَعْرَابِيٌّ لَا يَعْرِفُ الحديث وقال لي قد اُسْتُحِيضَتْ امْرَأَةٌ من آلِ أَنَسٍ فَسُئِلَ بن عَبَّاسٍ عنها فَأَفْتَى فيها وَأَنَسٌ حَيٌّ فَكَيْفَ يَكُونُ عِنْدَ أَنَسٍ ما قُلْت من عِلْمِ الْحَيْضِ وَيَحْتَاجُونَ إلَى مَسْأَلَةِ غَيْرِهِ فِيمَا عِنْدَهُ فيه عِلْمٌ وَنَحْنُ وَأَنْتَ لَا نُثْبِتُ حَدِيثًا عن الْجَلْدِ وَيُسْتَدَلُّ على غَلَطِ من هو أَحْفَظُ منه بِأَقَلَّ من هذا وَأَنْتَ تَتْرُكُ الرِّوَايَةَ الثَّابِتَةَ عن أَنَسٍ فإنه قال إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ فَلِلْبِكْرِ الْمُتَزَوِّجَةِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ وهو يُوَافِقُ سُنَّةَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَتَدَعُ السُّنَّةَ وَقَوْلَ أَنَسٍ وَتَزْعُمُ أَنَّكَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَخَالَفْنَا بَعْضُ الناس في شَيْءٍ من الْمَحِيضِ وَالْمُسْتَحَاضَةِ وقال لَا يَكُونُ الْحَيْضُ أَقَلَّ من ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنْ امْرَأَةٌ رَأَتْ الدَّمَ يَوْمًا أو يَوْمَيْنِ أو بَعْضَ يَوْمٍ ثَالِثٍ ولم تَسْتَكْمِلْهُ فَلَيْسَ هذا بِحَيْضٍ وَهِيَ طَاهِرٌ تَقْضِي الصَّلَاةَ فيه وَلَا يَكُونُ الْحَيْضُ أَكْثَرَ من عَشَرَةِ أَيَّامٍ فما جَاوَزَ الْعَشَرَةَ بِيَوْمٍ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ وَلَا يَكُونُ بين حَيْضَتَيْنِ أَقَلُّ من خَمْسَةَ عَشَرَ
(1/64)
________________________________________
قَبِلْت قَوْلَ بن عَبَّاسٍ على ما يُعْرَفُ خِلَافُهُ قال أَفَيَثْبُتُ عِنْدَك عن أَنَسٍ قُلْت لَا وَلَا عِنْدَ أَحَدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ ولكنى أَحْبَبْت أَنْ تَعْلَمَ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّك إنَّمَا تَتَسَتَّرُ بِالشَّيْءِ لَيْسَتْ لك فيه حُجَّةٌ قال فَلَوْ كان ثَابِتًا عن أَنَسِ بن مَالِكٍ ( قُلْت ) ليس بِثَابِتٍ فَتَسْأَلُ عنه قال فَأَجِبْ على أَنَّهُ ثَابِتٌ وَلَيْسَ فيه لو كان ثَابِتًا حَرْفٌ مِمَّا قُلْتَ قال وَكَيْفَ قلت لو كان إنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ قد رَأَى من تَحِيضُ ثَلَاثًا وما بين ثَلَاثٍ وَعَشْرٍ كان إنَّمَا أَرَادَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالي أَنَّ حَيْضَ الْمَرْأَةِ كما تَحِيضُ لَا تَنْتَقِلُ التي تَحِيضُ ثَلَاثًا إلَى عَشْرٍ وَلَا تَنْتَقِلُ التي تَحِيضُ عَشْرًا إلَى ثَلَاثٍ وَأَنَّ الْحَيْضَ كُلَّمَا رَأَتْ الدَّمَ ولم يَقُلْ لَا يَكُونُ الْحَيْضُ أَقَلَّ من ثَلَاثٍ وَلَا أَكْثَرَ من عَشْرٍ وهو إنْ شَاءَ اللَّهُ كان أَعْلَمَ مِمَّنْ يقول لَا يَكُونُ خَلْقٌ من خَلْقِ اللَّهِ لَا يدرى لَعَلَّهُ كان أو يَكُونُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) ثُمَّ زَادَ فقال لو كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا إلَّا أنها رَأَتْ الْحَيْضَ بَعْدَ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ خَمْسًا أو عَشْرًا كانت في الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّمَانِيَةِ بَعْدَهُ حَائِضًا وَلَا أَدْرِي أَقَالَ الْيَوْمَ الْعَاشِرَ وَفِيمَا بَعْدَهُ مُسْتَحَاضَةٌ طَاهِرٌ أو قال فِيمَا بَعْدَ الْعَاشِرِ مُسْتَحَاضَةٌ طَاهِرٌ فَعَابَ صَاحِبُهُ قَوْلَهُ عليه فَسَمِعَتْهُ يقول سُبْحَانَ اللَّهِ ما يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَخْطَأَ بِمِثْلِ هذا أَنْ يفتى أَبَدًا فَجَعَلَهَا في أَيَّامٍ تَرَى الدَّمَ طَاهِرًا وَأَيَّامٍ تَرَى الطُّهْرَ حَائِضًا وَخَالَفَهُ في الْمَسْأَلَتَيْنِ فَزَعَمَ في الْأُولَى أنها طَاهِرٌ في الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّمَانِيَةِ وَالْيَوْمِ الْعَاشِرِ وَزَعَمَ في الثَّانِيَةِ أنها طَاهِرٌ في الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّمَانِيَةِ بَعْدَهُ حَائِضٌ في الْيَوْمِ الْعَاشِرِ وما بَعْدَهُ إلَى أَنْ تُكْمِلَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ زَعَمَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) ثُمَّ زَادَ الذي يقول هذا الْقَوْلَ الذي لَا أَصْلَ له وهو يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ في حَلَالٍ أو حَرَامٍ إلَّا من كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو إجْمَاعٍ أو قِيَاسٍ على وَاحِدٍ من هذا فقال أَحَدُهُمْ لو كان حَيْضُ امْرَأَةٍ عَشْرَةً مَعْرُوفَةً لها ذلك فَانْتَقَلَ حَيْضُهَا فَرَأَتْ الدَّمَ يَوْمًا ثُمَّ ارْتَفَعَ عنها أَيَّامًا ثُمَّ رَأَتْهُ الْيَوْمَ الْعَاشِرَ من مُبْتَدَأِ حَيْضِهَا كانت حَائِضًا في الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّمَانِ التي رَأَتْ فيها الطُّهْرَ وَالْيَوْمِ الْعَاشِرِ الذي رَأَتْ فيه الدَّمَ
(1/65)
________________________________________
أنها لو حَاضَتْ ثَلَاثًا أَوَّلًا وَرَأَتْ الطُّهْرَ أَرْبَعًا أو خَمْسًا ثُمَّ حَاضَتْ ثَلَاثًا أو يَوْمَيْنِ كانت حَائِضًا أَيَّامَ رَأَتْ الدَّمَ وَأَيَّامَ رَأَتْ الطُّهْرَ وقال إنَّمَا يَكُونُ الطُّهْرُ الذي بين الْحَيْضَتَيْنِ حَيْضًا إذَا كانت الْحَيْضَتَانِ أَكْثَرَ منه أو مثله فإذا كان الطُّهْرُ أَكْثَرَ مِنْهُمَا فَلَيْسَ بِحَيْضٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقلت له فَمَنْ قال لك هذا ( قال ) فَبِقَوْلِ مَاذَا قُلْت لَا يَكُونُ الطُّهْرُ حَيْضًا فَإِنْ قُلْتَهُ أنت قُلْت فَمُحَالٌ لَا يُشْكِلُ أَفَقُلْته بِخَبَرِ قال لَا قُلْت أَفَبِقِيَاسِ قال لَا قُلْت فَمَعْقُولٌ قال نعم إنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَكُونُ تَرَى الدَّمَ أَبَدًا وَلَكِنَّهَا تَرَاهُ مَرَّةً وَيَنْقَطِعُ عنها أُخْرَى ( قلت ) فَهِيَ في الْحَالِ التي تَصِفُهُ مُنْقَطِعًا اسْتَدْخَلَتْ ( قلت ) إذَا اسْتَثْفَرَتْ شيئا فَوَجَدَتْ دَمًا وَإِنْ لم يَكُنْ يَثُجُّ وَأَقَلُّ ذلك أَنْ يَكُونَ حُمْرَةٌ أو كُدْرَةٌ فإذا رَأَتْ الطُّهْرَ لم تَجِدْ من ذلك شيئا لم يَخْرُجْ مِمَّا اسْتَدْخَلَتْ من ذلك إلَّا الْبَيَاضَ ( قال ) فَلَوْ رَأَتْ ما تَقُولُ من الْقَصَّةِ الْبَيْضَاءِ يَوْمًا أو يَوْمَيْنِ ثُمَّ عَاوَدَهَا الدَّمُ في أَيَّامِ حَيْضِهَا ( قلت ) إذًا تَكُونُ طَاهِرًا حين رَأَتْ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ إلَى أَنْ تري الدَّمَ وَلَوْ سَاعَةً قال فَمَنْ قال هذا قلت بن عَبَّاسٍ قال إنَّهُ لَيُرْوَى عن بن عَبَّاسٍ قُلْت نعم ثَابِتًا عنه وهو مَعْنَى الْقُرْآنِ وَالْمَعْقُولِ قال وَأَيْنَ قلت أَرَأَيْت إذْ أَمَرَ اللَّهُ عز وجل بِاعْتِزَالِ النِّسَاءِ في الْمَحِيضِ وَأَذِنَ بِإِتْيَانِهِنَّ إذَا تَطَهَّرْنَ عَرَفْت أو نَحْنُ الْمَحِيضَ إلَّا بِالدَّمِ وَالطُّهْرَ إلَّا بِارْتِفَاعِهِ وَرُؤْيَةِ الْقَصَّةِ الْبَيْضَاءِ قال لَا قُلْت أَرَأَيْت امْرَأَةً كان حَيْضُهَا عَشْرَةً كُلَّ شَهْرٍ ثُمَّ انْتَقَلَ فَصَارَ كُلَّ شَهْرَيْنِ أو كُلَّ سَنَةٍ أو بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ أو صَارَ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ حَيْضُهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فقالت أَدَعُ الصَّلَاةَ في وَقْتِ حَيْضِي وَذَلِكَ عَشْرٌ في كل شَهْرٍ قال ليس ذلك لها قلت وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ على أنها حَائِضٌ إذَا رَأَتْ الدَّمَ وَغَيْرُ حَائِضٍ إذَا لم تَرَهُ قال نعم قُلْت وَكَذَلِكَ الْمَعْقُولُ قال نعم قُلْت فَلِمَ لَا تَقُولُ بِقَوْلِنَا تَكُونُ قد وَافَقْت الْقُرْآنَ وَالْمَعْقُولَ فقال بَعْضُ من حَضَرَهُ بَقِيَتْ خَصْلَةٌ هِيَ التي تَدْخُلُ عَلَيْكُمْ قلت وما هِيَ قال أَرَأَيْت إذَا حَاضَتْ يَوْمًا وَطَهُرَتْ يَوْمًا عَشْرَةَ أَيَّامٍ أَتَجْعَلُ هذا حَيْضًا وَاحِدًا أو حَيْضًا إذَا رَأَتْ الدَّمَ وَطُهْرًا إذَا رَأَتْ الطُّهْرَ قُلْت بَلْ حَيْضًا إذَا رَأَتْ الدَّمَ وَطُهْرًا إذَا رَأَتْ الطُّهْرَ قال وَإِنْ كانت مُطَلَّقَةً فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا في سِتَّةِ أَيَّامٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت لِقَائِلِ هذا الْقَوْلِ ما أَدْرِي أنت في قَوْلِكَ الْأَوَّلِ أَضْعَفُ حُجَّةً أَمْ في هذا الْقَوْلِ قال وما في هذا الْقَوْلِ من الضَّعْفِ قُلْت احْتِجَاجُكَ بِأَنْ جَعَلْتهَا مُصَلِّيَةً يَوْمًا وَتَارِكَةً لِلصَّلَاةِ يَوْمًا بِالْعِدَّةِ وَبَيْنَ هذا فَرْقٌ قال فما تقوله ( ( ( تقول ) ) ) قُلْت لَا وَلَا لِلصَّلَاةِ من الْعِدَّةِ سَبِيلٌ قال فَكَيْفَ ذلك قُلْت أَرَأَيْت الْمُؤَيَّسَةَ من الْحَيْضِ التي لم تَحِضْ وَالْحَامِلَ أَلَيْسَ يَعْتَدِدْنَ وَلَا يَدَعْنَ الصَّلَاةَ حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُنَّ أَمْ لَا تَخْلُو عِدَدُهُنَّ حتى يَدَعْنَ الصَّلَاةَ في بَعْضِهَا أَيَّامًا كما تَدَعُهَا الْحَائِضُ قال بَلْ يَعْتَدِدْنَ وَلَا يَدَعْنَ الصَّلَاةَ قلت فَالْمَرْأَةُ تَطْلُقُ فَيُغْمَى عليها أو تُجَنُّ أو يَذْهَبُ عَقْلُهَا أَلَيْسَ تنقضى عِدَّتُهَا ولم تُصَلِّ صَلَاةً وَاحِدَةً قال بَلَى قُلْت فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ عِدَّتَهَا تنقضى ولم تُصَلِّ أَيَّامًا وَتَدَعْ الصَّلَاةَ أَيَّامًا قال من ذَهَابِ عَقْلِهَا وَأَنَّ الْعِدَّةَ لَيْسَتْ من الصَّلَاةِ قلت أَفَرَأَيْت الْمَرْأَةَ التي تَحِيضُ حَيْضَ النِّسَاءِ وَتَطْهُرُ طُهْرَهُنَّ إنْ اعْتَدَّتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ ثُمَّ ارْتَابَتْ في نَفْسِهَا قال فَلَا تُنْكَحُ حتى تَسْتَبْرِئَ قُلْت فَتَكُونُ مُعْتَدَّةً لَا بِحَيْضٍ وَلَا بِشُهُورٍ وَلَكِنْ بِاسْتِبْرَاءٍ قال نعم إذَا آنَسَتْ شيئا تَخَافُ أَنْ يَكُونَ حَمْلًا قلت وَكَذَلِكَ التي تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ وَإِنْ ارْتَابَتْ كَفَّتْ عن النِّكَاحِ قال نعم قُلْت لِأَنَّ الْبَرِيئَةَ إذَا كانت مُخَالِفَةً غير الْبَرِيئَةِ قال نعم وَالْمَرْأَةُ تَحِيضُ يَوْمًا وَتَطْهُرُ يَوْمًا أَوْلَى أَنْ تَكُونَ مُرْتَابَةً وَغَيْرَ برية ( ( ( بريئة ) ) ) من الْحَمْلِ مِمَّنْ سَمَّيْت وقد عَقَلْنَا عن اللَّهِ عز وجل أَنَّ في الْعِدَّةِ مَعْنَيَيْنِ بَرَاءَةٌ وَزِيَادَةُ تَعَبُّدٍ بِأَنَّهُ جَعَلَ عِدَّةَ الطَّلَاقِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ أو ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَجَعَلَ عِدَّةَ الْحَامِلِ وَضْعَ الْحَمْلِ وَذَلِكَ غَايَةُ الْبَرَاءَةِ وفي ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ بَرَاءَةٌ وَتَعَبُّدٌ لِأَنَّ حَيْضَتَهُنَّ مُسْتَقِيمَةٌ تُبْرِئُ فَعَقَلْنَا أَنْ لَا عِدَّةَ إلَّا وَفِيهَا بَرَاءَةٌ أو بَرَاءَةٌ وَزِيَادَةٌ لِأَنَّ عدة ( ( ( العدة ) ) ) لم تَكُنْ أَقَلَّ من ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أو ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت له لقد عِبْت مَعِيبًا وما أَرَاك إلَّا قد دَخَلْت في قَرِيبٍ مِمَّا عِبْت وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَعِيبَ شيئا ثُمَّ تَقُولُ بِهِ ( قال ) إنَّمَا قُلْت إذَا كان الدَّمَانِ اللَّذَانِ بَيْنَهُمَا الطُّهْرُ أَكْثَرَ أو مِثْلَ الطُّهْرِ
(1/66)
________________________________________
أو أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وعشرا ( ( ( وعشر ) ) ) أو وَضْعِ حَمْلٍ وَالْحَائِضُ يَوْمًا وَطَاهِرٌ يَوْمًا لَيْسَتْ في مَعْنَى بَرَاءَةٍ وقد لَزِمَكَ بِأَنْ أَبْطَلْت عِدَّةَ الْحَيْضِ وَالشُّهُورِ وَبَايَنْت بها إلَى الْبَرَاءَةِ إذَا ارْتَابَتْ كما زَعَمْت أَنَّهُ يَلْزَمُنَا في التي تَحِيضُ يَوْمًا وَتَدَعُ يَوْمًا - * بَابُ دَمِ الْحَيْضِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ قالت سَمِعْت أَسْمَاءَ تَقُولُ سَأَلَتْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن دَمِ الْحَيْضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ فقال حُتِّيهِ ثُمَّ اُقْرُصِيهِ بِالْمَاءِ وَانْضَحِيهِ وَصَلِّي فيه
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن فَاطِمَةَ عن أَسْمَاءَ مِثْلَ مَعْنَاهُ إلَّا أَنَّهُ قال تَقْرُصُهُ ولم يَقُلْ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وفي هذا دَلِيلٌ على أَنَّ دَمَ الْحَيْضِ نَجَسٌ وَكَذَا كُلُّ دَمٍ غَيْرُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقَرْصُهُ فَرْكُهُ وَقَوْلُهُ بِالْمَاءِ غَسَلَ بِالْمَاءِ وَأَمَرَهُ بِالنَّضْحِ لِمَا حَوْلَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَمَّا النَّجَاسَةُ فَلَا يُطَهِّرُهَا الا الْغُسْلُ وَالنَّضْحُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اخْتِيَارٌ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ قال أخبرني بن عَجْلَانَ عن عبد اللَّهِ بن رَافِعٍ عن أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سُئِلَ عن الثَّوْبِ يُصِيبُهُ دَمُ الْحَيْضِ قال تَحُتُّهُ ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ تُصَلِّي فيه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا مِثْلُ حديث أَسْمَاءَ بِنْتِ أبي بَكْرٍ وَبِهِ نَأْخُذُ وَفِيهِ دَلَالَةٌ على ما قُلْنَا من أَنَّ النَّضْحَ اخْتِيَارٌ لِأَنَّهُ لم يَأْمُرْ بِالنَّضْحِ في حديث أُمِّ سَلَمَةَ وقد أَمَرَ بِالْمَاءِ في حَدِيثِهَا وَحَدِيثِ أَسْمَاءَ ( قال الرَّبِيعُ ) + قال الشَّافِعِيُّ وهو الذي نَقُولُ بِهِ قال الرَّبِيعُ وهو آخِرُ قَوْلَيْهِ يَعْنِي الشَّافِعِيَّ إنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَأَكْثَرَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَأَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَوَّلَ ما حَاضَتْ طَبَقَ الدَّمُ عليها أَمَرْنَاهَا أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنْ انْقَطَعَ الدَّمُ في خمس ( ( ( خمسة ) ) ) عَشَرَةَ كان ذلك كُلُّهُ حَيْضًا وَإِنْ زَادَ على خَمْسَةَ عَشَرَ عَلِمْنَا أنها مُسْتَحَاضَةٌ وَأَمَرْنَاهَا أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ أَوَّلَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَتُعِيدُ أَرْبَعَ عَشَرَةَ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَيْضُهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً وَيَحْتَمِلُ أَكْثَرَ فلما احْتَمَلَ ذلك وَكَانَتْ الصَّلَاةُ عليها فَرْضًا لم نَأْمُرْهَا بِأَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ إلَّا بِحَيْضٍ يَقِينٍ ولم تُحْسَبْ طَاهِرَةً الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا في صِيَامِهَا لو صَامَتْ لِأَنَّ فَرْضَ الصِّيَامِ عليها بِيَقِينِ أنها طَاهِرَةٌ فلما أَشْكَلَ عليها أَنْ تَكُونَ قد قَضَتْ فَرْضَ الصَّوْمِ وَهِيَ طَاهِرَةٌ أو لم تَقْضِهِ لم أَحْسِبْ لها الصَّوْمَ إلَّا بِيَقِينِ أنها طَاهِرَةٌ وَكَذَلِكَ طَوَافُهَا بِالْبَيْتِ لَسْت أَحْسِبُهُ لها إلَّا بِأَنْ يَمْضِيَ لها خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لأنه ( ( ( لأن ) ) ) أَكْثَرَ ما حَاضَتْ له امْرَأَةٌ قَطُّ عَلِمْنَاهُ ثُمَّ تَطُوفُ بَعْدَ ذلك لِأَنَّ الْعِلْمَ يُحِيطُ أنها من بَعْدِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا طَاهِرَةٌ وَإِنْ كانت تَحِيضُ يَوْمًا وَتَطْهُرُ يَوْمًا أَمَرْنَاهَا أَنْ تصلى في يَوْمِ الطُّهْرِ بَعْدَ الْغُسْلِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ طُهْرًا فَلَا تَدَعُ الصَّلَاةَ فَإِنْ جَاءَهَا الدَّمُ في الْيَوْمِ الثَّالِثِ عَلِمْنَا أَنَّ الْيَوْمَ الذي قَبْلَهُ الذي رَأَتْ فيه الطُّهْرَ كان حَيْضًا لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الطُّهْرُ يَوْمًا لِأَنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَكُلَّمَا رَأَتْ الطُّهْرَ أَمَرْنَاهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ طُهْرًا صَحِيحًا وإذا جَاءَهَا الدَّمُ بَعْدَهُ من الْغَدِ عَلِمْنَا أَنَّهُ غَيْرُ طُهْرٍ حتى يَبْلُغَ خَمْسَ عَشَرَةَ فان انْقَطَعَ بِخَمْسَ عَشَرَةَ فَهُوَ حَيْضٌ كُلُّهُ وَإِنْ زَادَ على خَمْسَةَ عَشَرَ عَلِمْنَا أنها مُسْتَحَاضَةٌ فَقُلْنَا لها أَعِيدِي كُلَّ يَوْمٍ تَرَكْت فيه الصَّلَاةَ إلَّا أَوَّلَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ حَيْضُهَا إلَّا يَوْمًا وَلَيْلَةً فَلَا تَدَعُ الصَّلَاةَ إلَّا بِيَقِينِ الْحَيْضِ وَهَذَا لِلَّتِي لَا يُعْرَفُ لها أَيَّامٌ وَكَانَتْ أَوَّلُ ما يَبْتَدِئُ بها الْحَيْضُ مُسْتَحَاضَةً فَأَمَّا التي تَعْرِفُ أَيَّامَهَا ثُمَّ طَبَقَ عليها
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِحَدِيثِ سُفْيَانَ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ نَأْخُذُ وهو يُحْفَظُ فيه الْمَاءُ ولم يُحْفَظْ ذلك وَكَذَلِكَ رَوَى غَيْرُهُ عن هِشَامٍ
(1/67)
________________________________________
الدَّمُ فَتَنْظُرُ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ التي كانت تَحِيضُهُنَّ من الشَّهْرِ فَتَدَعُ الصَّلَاةَ فِيهِنَّ فإذا ذَهَبَ وَقْتُهُنَّ اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ وَتَوَضَّأَتْ لِكُلِّ صَلَاةٍ فِيمَا تَسْتَقْبِلُ بَقِيَّةَ شَهْرِهَا فإذا جَاءَهَا ذلك الْوَقْتُ من حَيْضِهَا من الشَّهْرِ الثَّانِي تَرَكَتْ أَيْضًا الصَّلَاةَ أَيَّامَ حَيْضِهَا ثُمَّ اغْتَسَلَتْ بَعْدُ وَتَوَضَّأَتْ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَهَذَا حُكْمُهَا ما دَامَتْ مُسْتَحَاضَةً وان كانت لها أَيَّامٌ تَعْرِفُهَا فَنَسِيَتْ فلم تَدْرِ في أَوَّلِ الشَّهْرِ أو بَعْدَهُ بِيَوْمَيْنِ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ اغْتَسَلَتْ عِنْدَ كل صَلَاةٍ وَصَلَّتْ وَلَا يَجْزِيهَا أَنْ تُصَلِّيَ صَلَاةً بِغَيْرِ غُسْلٍ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ في حِينِ ما قَامَتْ تصلى الصُّبْحَ أَنْ يَكُونَ هذا وَقْتَ طُهْرِهَا فَعَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ فإذا جَاءَتْ الظُّهْرُ احْتَمَلَ هذا أَيْضًا أَنْ يَكُونَ حين طُهْرِهَا فَعَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَهَكَذَا في كل وَقْتٍ تُرِيدُ أَنْ تُصَلِّيَ فيه فَرِيضَةً يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هو وَقْتُ طُهْرِهَا فَلَا يَجْزِيهَا إلَّا الْغُسْلُ وَلَمَّا كانت الصَّلَاةُ فَرْضًا عليها اُحْتُمِلَ إذَا قَامَتْ لها أَنْ يَكُونَ يَجْزِيهَا فيه الْوُضُوءُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجْزِيَهَا فيه إلَّا الْغُسْلُ فلما لم يَكُنْ لها أَنْ تصلى إلَّا بِطَهَارَةٍ بِيَقِينٍ لم يُجْزِئْهَا إلَّا الْغُسْلُ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ وَالشَّكُّ في الْوُضُوءِ وَلَا يَجْزِيهَا أَنْ تصلى بِالشَّكِّ وَلَا يُجْزِئُهَا إلَّا الْيَقِينُ وهو الْغُسْلُ فَتَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ - * بَابُ أَصْلِ فَرْضِ الصَّلَاةِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَمِعْت من أَثِقُ بِخَبَرِهِ وَعِلْمِهِ يَذْكُرُ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فَرْضًا في الصَّلَاةِ ثُمَّ نَسَخَهُ بِفَرْضٍ غَيْرِهِ ثُمَّ نَسَخَ الثَّانِيَ بِالْفَرْضِ في الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ( قال ) كَأَنَّهُ يَعْنِي قَوْلَ اللَّهِ عز وجل { يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمْ اللَّيْلَ إلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أو اُنْقُصْ منه قَلِيلًا } الْآيَةَ ثُمَّ نَسَخَهَا في السُّورَةِ معه بِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى من ثُلُثَيْ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ } إلَى قَوْلِهِ فَاقْرَءُوا ما تَيَسَّرَ من الْقُرْآنِ فَنَسَخَ قِيَامَ اللَّيْلِ أو نِصْفَهُ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ بِمَا تَيَسَّرَ وما أَشْبَهَ ما قال بِمَا قال وَإِنْ كُنْت أُحِبُّ أَنْ لَا يَدَعَ أَحَدٌ أَنْ يَقْرَأَ ما تَيَسَّرَ عليه من لَيْلَتِهِ وَيُقَالُ نُسِخَتْ ما وَصَفْت من الْمُزَّمِّلِ بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ } وَدُلُوكُهَا زَوَالُهَا { إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ } الْعَتَمَةِ { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كان مَشْهُودًا } الصُّبْحَ { وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لك } فَأَعْلَمَهُ أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ نَافِلَةٌ لَا فَرِيضَةٌ وَأَنَّ الْفَرَائِضَ فِيمَا ذُكِرَ من لَيْلٍ أو نَهَارٍ وَيُقَالُ في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فَسُبْحَانَ اللَّهِ حين تُمْسُونَ } الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ { وَحِينَ تُصْبِحُونَ } الصُّبْحُ { وَلَهُ الْحَمْدُ في السماوات وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا } الْعَصْرُ { وَحِينَ تُظْهِرُونَ } الظُّهْرُ وما أَشْبَهَ ما قِيلَ من هذا بِمَا قِيلَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( قال ) وَبَيَانُ ما وَصَفْت في سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
أخبرنا مَالِكٌ عن عَمِّهِ أبي سُهَيْلِ بن مَالِكٍ عن أبيه أَنَّهُ سمع طَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ يقول جاء رَجُلٌ إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فإذا هو يَسْأَلُ عن الْإِسْلَامِ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَمْسُ صَلَوَاتٍ في الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فقال هل عَلَيَّ غَيْرُهَا فقال لَا إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَفَرَائِضُ الصَّلَوَاتِ خَمْسٌ وما سِوَاهَا تَطَوُّعٌ فَأَوْتَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْبَعِيرِ ولم يُصَلِّ مَكْتُوبَةً عَلِمْنَاهُ على بَعِيرٍ وَلِلتَّطَوُّعِ وَجْهَانِ صَلَاةٌ جَمَاعَةً وَصَلَاةٌ مُنْفَرِدَةً وَصَلَاةُ الْجَمَاعَةِ مُؤَكَّدَةٌ وَلَا أُجِيزُ تَرْكَهَا لِمَنْ قَدَرَ عليها بِحَالٍ وهو صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ وَكُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالِاسْتِسْقَاءِ فَأَمَّا قِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَصَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ أَحَبُّ إلَيَّ منه وَأَوْكَدُ صَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ وَبَعْضُهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { إنَّ الصَّلَاةَ كانت على الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } وقال { وما أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ له الدِّينَ } الْآيَةَ مع عَدَدٍ آي فيه ذِكْرُ فَرْضِ الصَّلَاةِ ( قال ) وَسُئِلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الْإِسْلَامِ فقال خَمْسُ صَلَوَاتٍ في الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فقال السَّائِلُ هل عَلَيَّ غَيْرُهَا قال لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ - * أَوَّلُ ما فُرِضَتْ الصَّلَاةُ - *
(1/68)

Tidak ada komentar:

Posting Komentar